فصل: تفسير الآيات (72- 73):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (72- 73):

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
قوله عز وجل: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} يعني من قتل الإسرائيلي؟ الذي قتله ابن أخيه، وفي سبب قتله قولان:
أحدهما: لبنت له حسناء، أحب أن يتزوجها.
والثاني: طلباً لميراثه، وادعى قتله على بعض الأسباط.
وفي قوله تعالى: {فَادَّارَأْتُم فيها} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنّ الَّدْرءَ الاعوجاج، ومنه قول الشاعر:
أمسكت عنهم درء الأعادي ** وداووا بالجنون من الجنون

يعني اعوجاج الأعادي.
والثاني: وهو المشهور، أن الدرء المدافعة، ومعناه أي تدافعتم في القتل، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
أدركتها قدام كل مدره ** بالدفع عني درء كل منجه

والثالث: معناه اختلفتم وتنازعتم، قاله السدي، وقيل إن هذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة، فهي متقدمة في الخطاب على قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مَوسَى لِقَومِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُم} الآية. لأنهم أُمِرُوا بذبحها، بعد قتلهم، واختلفوا في قاتله.
قوله تعالى: {وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} أي والله مظهر ما كنتم تُسِرّون من القتل، فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَو أَنَّ أَحَدَكُم يَعْمَلُ في صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ، لأَخْرَجَ اللهُ عَمَلَهُ». قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} اختلف العلماء في البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه ضُرِبَ بفخذ البقرة، وهذا قول مجاهد، وعكرمة وقتادة.
والثاني: أنه ضُرِبَ بالبضعة التي بين الكتفين، وهذا قول السدي.
والثالث: أنه ضُرِبَ بعظم من عظامها، وهذا قول أبي العالية.
والرابع: أنه ضُرِبَ بأُذنها، وهذا قول ابن زيد.
والخامس: أنه ضُرِبَ بعجب ذنبها، وهو الذي لا تأكله الأرض، وهذا قول الفراء. والبعض: يَقِلُّ عن النصف.
{كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى} يعني، أنه لما ضُرِبَ القتيل ببعض البقرة، أحياه الله وكان اسمه عاميل، فقال قتلني ابن أخي، ثم قبض، فقال بنو أخيه: والله ما قتلناه، فكذّبوا بالحق بعد معاينته.
قال الفراء: وفي الكلام حذف، وتقديره: فقلنا اضربوه ببعضها، ليحيا فضربوه، فَحَيِيَ. كذلك يحيي الله الموتى، فدل بذلك على البعث والنشور، وجعل سبب إحيائه الضرب بميت، لا حياة فيه، لئلا يلتبس على ذي شبهة، أن الحياة إنما انتقلت إليه مما ضرب به، لتزول الشبهة، وتتأكد الحجة.
وفي قوله تعالى: {كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى} وجهان:
أحدهما: أنه حكاية عن قول موسى لقومه.
والثاني: أنه خطاب من الله لمشركي قريش.
{وَيُرِيكُم ءَايَاتِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: علامة قدرته.
والثاني: دلائل بعثكم بعد الموت.
{لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: تعملون.
والثاني: تعتبرون.

.تفسير الآية رقم (74):

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم} اختلف في المُشَار إليه بالقسوة، على قولين:
أحدهما: بنو أخي الميت حين أنكروا قتله، بعد أن سمعوه منه عند إحياء الله له، وهو قول ابن عباس.
والثاني: أنه أشار إلى بني إسرائيل كلهم، ومن قال بهذا قال: من بعد ذلك: أي من بعد آياته كلها التي أظهرها على موسى.
وفي قسوتها وجهان:
أحدهما: صلابتها حتى لا تلين.
والثاني: عنفها حتى لا ترأف.
وفي قوله تعالى: {مِّنْ بَعْدِ ذلِكَ} وجهان:
أحدهما: من بعد إحياء الموتى، ويكون هذا الخطاب راجعاً إلى جماعتهم.
والثاني: من بعد كلام القتيل، ويكون الخطاب راجعاً إلى بني أخيه.
وقوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يعني القلوب التي قست.
واختلف العلماء في معنى {أَوْ} في هذا الموضع وأشباهه كقوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوسَين أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه إبهام على المخاطبين، وإن كان الله تعالى عالماً، أي ذلك هو، كما قال أبو الأسود الدؤلي:
أحب محمداً حباً شديداً ** وعباساً وحمزة أو علياً

فإن يك حبهم رشدا أُصِبه ** ولستُ بمخطئ إن كان غياً

ولا شَكَّ، أن أبا الأسود الدؤلي، لم يكن شاكّاً في حبِّهم، ولكن أَبْهَمَ على مَنْ خاطبه، وقد قِيل لأبي الأسود حين قال ذلك: شَكَكْتُ، فقال كلا، ثم استشهد بقوله تعالى: {وَإِنَّا إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24] وقال: أفكان شاكاً مَنْ أخبر بهذا؟
والثاني: أن {أَوْ} ها هنا بمعنى الواو، وتقديره فهو كالحجارة وأشد قسوة، ومثله قول جرير:
جاءَ الخلافة أو كانت له قدرا ** كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ

والثالث: أن {أَوْ} في هذا الموضع، بمعنى بل أشد قسوة، كما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] يعني بل يزيدون.
والرابع: أن معناها الإباحة وتقديره، فإن شبهتموها بالحجارة كانت مثلها، وإن شبهتموها بما هو أشد، كانت مثلها.
والخامس: فهي كالحجارة، أو أشد قسوة عندكم.
ثم قال تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ} يعني أن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم القاسية، لِتَفَجِّرِ الأنهار منها.
ثم قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} فاختلفوا في ضمير الهاء في (منها)، إلى ماذا يرجع؟ على قولين:
أحدهما: إلى القلوب لا إلى الحجارة، فيكون معنى الكلام: وإن من القلوب لما يخضع من خشية الله، ذكره ابن بحر.
والقول الثاني: أنها ترجع إلى الحجارة، لأنها أقرب مذكور.
واختلف من قال بهذا، في هذه الحجارة على قولين:
أحدهما: أنها البرد الهابط من السَّحاب، وهذا قول تفرد به بعض المتكلمين.
والثاني: وهو قول جمهور المفسرين: أنها حجارة الجبال الصلدة، لأنها أشد صلابة.
واختلف من قال بهذا على قولين:
أحدهما: أنه الجبل الذي جعله الله دَكاً، حين كلم موسى.
والثاني: أنه عام في جميع الجبال.
واختلف من قال بهذا، في تأويل هبوطها، على أربعة أقاويل:
أحدها: إن هبوط ما هبط من حشية الله، نزل في ذلك القرآن.
والثاني:.........
والثالث: أن مِنْ عَظَّم مَنْ أمر الله، يُرَى كأنه هابط خاشع، كما قال جرير:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ** سور المدينة والجبال الخشّع

والرابع: أن الله أعطى بعض الجبال المعرفة، فعقل طاعة الله، فأطاعه، كالذي رُوِيَ عن الجذع، الذي كان يستند إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تحول عنه حَنَّ، رُوِيَ عن النبي أنه قال: «إِنَّ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ في الجاهِليَّةِ إِنِّي لأَعْرَفُهُ الآَنَ» ويكون معنى الكلام، إِنَّ من الجبال ما لو نزل عليه القرآن، لهبط من خشية الله تذللاً وخضوعاً.

.تفسير الآيات (75- 77):

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}
قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُون كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} في ذلك قولان:
أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي.
والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق.
وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان:
أحدهما: أنها التوراة التي عَلِمَها علماء اليهود.
والثاني: الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء.
وفي قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وجهان:
أحدهما: من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه.
والثاني: من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ما في تحريفه من العقاب.
قوله تعالى: {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون: أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني: أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم} وفيه أربعة أقاويل:
أحدها: بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه، {ليُحَآجُّوكم بَهِ عِنْدَ رَبِّكُم} رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول أبي العالية وقتادة.
والثالث: أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم إخوة القردة، فقالوا: من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد.
والرابع: أن ناساً من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من العرب، بما عُذِّبَ به (آباؤهم)، فقال بعضهم لبعض، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي.
وفي {فتح الله} وجهان:
أحدهما: بما علمكم الله.
والثاني: بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر:
ألا أبلغ بني عُصُم رسولاً ** بأني عن فِتاحِكُم غنيُّ

ويُقَالُ للقاضي: الفتّاح، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَينَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89].
قوله تعالى: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم}، فَحُذِفَ ذكُر الكتاب إيجازاً.
والثاني: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم} فتظهر له الحُجَّة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن.
والثالث: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم} يوم القيامة، كما قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القيِامَةِ عِنْدَ رَبِّكُم تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31].

.تفسير الآيات (78- 79):

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قوله تعالى: {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ} فيه قولان:
أحدهما: أن الأُمّي: الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو قول مجاهد وأظهرُ تأويله.
والثاني: أنَّ الأُمّيين: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، وكتبوا كتاباً بأيديهم، وقال الجهال لقومهم: هذا من عند الله، وهذا قول ابن عباس.
وفي تسمية الذي لا يكتب بالأمي قولان:
أحدها: أنه مأخوذ من الأمة، أي على أصل ما عليه الأمّة، لأنه باق على خلقته من أنه لا يكتب، ومنه قول الأعشى:
وإنّ معاويةَ الأكرمين ** حسانُ الوجوه طوال الأمَمْ

والثاني: أنه مأخوذ من الأُم، وفي أخذه من الأُم تأويلان:
أحدهما: أنه مأخوذ منها، لأنه على ما ولدته أُمُّهُ من أنه لا يكتب.
والثاني: أنه نُسِبَ إلى أُمّهِ، لأن الكتاب في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب من الرجال إلى أمه، لجهلها بالكتاب دونه أبيه.
وفي قوله تعالى: {لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} أربعة تأويلات:
أحدها: إِلاَّ أَمَانِيَّ: يعني: إلا كذباً، قاله ابن عباس ومجاهد، قال الشاعر:
ولكنما ذاك الذي كان منكما ** أمانّي ما لاقت سماء ولا أرضا

والثاني: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني، أنهم يَتَمَنَّونَ على الله ما ليس لهم، قاله قتادة.
والثالث: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني: إلا أماني يعني إلا تلاوة من غير فهم قاله الفراء والكسائي ومنه قوله تعالى: {إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشيْطَانُ في أمنيِّتِه} [سورة الحج: 52] يعني ألقى الشيطانُ في أُمنيِّتِه، وقال كعب بن مالك:
تمنّى كتاب الله أول ليلهِ ** وآخرَه لاقي حمام المقادر

والرابع: أنَّ الأَمَانِيَّ: التقدير، حكاه ابن بحر وأنشد قول الشاعر:
ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله ** حتى تَبَيّنَ ما يمني لك الماني

(وإلا): في هذا الموضع بمعنى (لكن) وهو عندهم من الاستثناء المنقطع ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنَّ} [النساء: 157] قال النابغة:
حلفت يميناً غير ذي مثنوية ** ولا علم إلا حسن ظن بصاحب

{وَإِنْ هُم إِلاَّ يَظُنُّونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يكذبون، قاله مجاهد.
والثاني: يحدثون، قاله البصريون.
قوله تعالى: {فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم} في الويل ستة أقاويل:
أحدها: أنه العذاب، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه التقبيح، وهو قول الأصمعي. ومنه قوله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]. وقال الشاعر:
كسا اللؤم سهما خضرة في جلودها ** فويل لسهم من سرابيلها الخُضْرِ

والثالث: أنه الحزن، قاله المفضل.
والرابع: أنه الخزي والهوان.
والخامس: أن الويل وادٍ في جهنم، وهذا قول أبي سعيد الخدري.
والسادس: أنه جبل في النار، وهو قول عثمان بن عفان.
{يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم} أي يغيرون ما في الكتاب من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته.
وفي قوله تعالى: {بِأَيدِيهِم} تأويلان:
أحدهما: أنه أراد بذلك تحقيق الإضافة، وإن كانت الكتابة لا تكون إلا باليد، كقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ}.
والثاني: أن معنى {بِأَيْدِيهِم} أي من تلقاء أنفسهم، قاله ابن السراج.
وفي قوله تعالى: {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً} تأويلان:
أحدهما: ليأخذوا به عرض الدنيا، لأنه قليل المدة، كما قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} وهذا قول أبي العالية.
والثاني: أنه قليل لأنه حرام.
{وَوَيلٌ لَّهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: من تحريف كتبهم.
والثاني: من أيام معاصيهم.